الحفريات تحت المسجد الأقصى
ألحقت الحفريات التي قام بها الصهاينة تحت أساسات المسجد الأقصى ضررا بالغا ببنيانه، حتى أن بعض الأوساط الإسلامية في القدس، تحذر من أن قيام طائرات صهيونية بخرق جدار الصوت فوق منطقة الحرم بشكل متكرر، قد يؤدي إلى انهيار بناء المسجد الأقصى.
وقد لحقت هذه الأضرار بالمسجد بسبب فتح أنفاق مغلقة والقيام بالحفر تحت الأساسات إلى أعماق كبيرة.
وضع الصهاينة عنوانين لما قاموا به من حفريات، الأول يتعلق بالكشف عن حائط البراق و إظهاره كاملا ما يعني إزالة جميع الأبنية الملاصقة له، والحفر إلى جانبه لتبيان حجارته الأساسية.
أما الثاني، فيتعلق بالبحث عن بقايا الهيكل الذي يزعم الصهاينة أن المسجد الأقصى يقوم فوقها.
كان الحجم الظاهر من حائط البراق عندما احتل الصهاينة القدس لا يتعدى الثلاثين ياردة، أما الهدف الذي أعلن عنه عام تسعة وستين، فهو كشف مائتي ياردة و أكثر، علما أن حجم ماكان قد كشف آنذاك بلغ ثمانين ياردة، وهو ما أنجزته الحفريات التي تمت عند الحائط الغربي، أما عند الحائط الجنوبي، فجرت حفريات أشرف عليها البروفسور بنيامين مزار، وتابعها موشيه دايان وزير الحرب في كيان العدو آنذاك، وهو صرح عام واحد وسبعين بأنه يجب استمرار الحفر حتى الكشف الكامل عن الهيكل الثاني، وإعادة ترميمه على حد قوله.
هذا التصريح جاء مترافقا مع مزاعم صهيونية عن العثور على بقايا قصر هيروس، وجزء من السور الأول للقدس، حيث عثر في بقايا القصر على جدران استنادية.
لم تمر هذه الحفريات دون التسبب بإتلاف العديد من الأبنية التاريخية، وهو ما دفع د. كاثلين كاينون، مديرة مدرسة الآثار البريطانية في القدس إلى القول: "إن إتلاف مثل هذه الأبنية يعتبر جريمة كبرى ولا يعقل أن يتم تشويه الآثار القديمة بمثل هذه الحفريات".
أثارت الحفريات التي قام بها الصهاينة ردود فعل واسعة، مستنكرة لهذه الجريمة التي تتم بحق المكان المقدس، و الأبنية القريبة منه، ولكن الصهاينة ضربوا عرض الحائط بهذه الاعتراضات، وقاموا عام واحد وثمانين بفتح نفق كان قد اكتشفه الكولونيل وارين سنة سبع وستين وثمانمائة و ألف، وتابعوا الحفر على امتداد النفق الذي يقود إلى أسفل مسجد الصخرة المشرفة، وفي العام نفسه جرى الكشف عن قيام المسمى حاخام المبكى، بفتح سرداب أسفل الحرم القدسي يبدأ من حائط البراق، وأنه عمل لأشهر بسرية تامة في حفره، وبدعم مما تسمى وزارة الأديان.
سارعت دائرة الأوقاف الإسلامية إلى إغلاق هذا السرداب بالخرسانة المسلحة، ولكن بعد أن تسبب في تشققات في الرواق الغربي للمسجد الأقصى، وهو ما دفع عالم آثار صهيوني إلى التحذير من خطورة الحفريات على بنيان المسجد.
تكرر فتح أنفاق وسراديب تحت الحرم القدسي، وتكرر تصدي المقدسيين لهذه الإجراءات الصهيونية ما تسبب في مواجهات عنيفة عام ستة وثمانين، وعام تسعة وثمانين، وكذلك عام خمسة وتسعين، وبانتفاضة عام ستة و تسعين، عرفت باسم انتفاضة النفق.
بعد إغلاق النفق الذي تسبب بانتفاضة عام ستة وتسعين، قام الصهاينة في العام التالي بحفريات في الجهة الجنوبية الغربية من المسجد الأقصى باتجاه الغرب، وبعمق تسعة أمتار ما يشكل تهديدا إضافيا لأساسات المسجد وبالتوازي مع ذلك، استغل الصهاينة إجراء إصلاحات في شبكة الصرف الصحي بالقدس للقيام بحفريات جديدة قرب حائط البراق.
و أعلن عن الشروع في حفريات جديدة لتوسيع ساحة البراق الصغير في حي الواد، والذي يحاذي الحائط الغربي للأقصى، وعن مشاريع حفر أخرى تهدد بهدم القصور الأموية المحاذية للحرم القدسي.
في كل هذه الحفريات لم يعثر على أي آثر يشير إلى هيكل سليمان المزعوم، حتى أن علماء آثار صهاينة اعترفوا بأن نتائج الحفريات التي قاموا بها لم تسفر عن كشف أي آثر للهيكل، ومع ذلك فإن سلطات الاحتلال مازالت مصرة على متابعة الحفريات، ما يظهر أن هدفها الحقيقي هو العمل على تقويض المسجد الأقصى.
اعتداء صارخ
ولا ننسى أنَّ هذه الحفريات والمجسمات التي أقيمت مؤخراً، تعتبر اعتداءً صارخاً على ما يرمز إليه المسجد الأقصى المبارك بالنسبة للمسلمين، فهو مسرى الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهو الأخ الشقيق للكعبة المشرفة، وقد جرت هذه التوأمة في آيات سورة الإسراء، كما أنَّه حق ديني وتاريخي وحضاري للمسلمين.
وبالنسبة لمطالبنا حول ذلك فلقد أعلنَّا من خلال مؤتمر صحفي عن كافة هذه المعلومات السابقة، وقمنا بشرحها أمام وسائل الإعلام، ونشرنا كل ما لدينا من صور وخرائط إلى جميع العالم. كما سنقوم بتوصيل هذه المعلومات والوثائق إلى جميع من يهمه الأمر في العالمين العربي والإسلامي، وإلى رابطـة العـالم الإسـلامي، واتحـاد المسـاجد فـي العـالم، وكـافة من نستـطيع إيصــالها إليه من رؤساء الدول والملوك، على أمل أن تكـون هـذه المواد أمـانة في أيـدي كل مـن تصله، من أجل أن يأخذ كل مسلم دوره في سبيل دفع هذه الاعتداءات الخطيرة على المقدسات الإسلامية.
دور العلماء والخطباء
كما نقوم بإعداد رسالة تتوجه إلى علماء المسلمين وخطبائهم، من أجل حثهم على التحدث عن موضوع الأخطار والحفريات التي تهدد المسجد الأقصى، من على كافة منابر الأرض، وخاصة على منبر المسجد الحرام في مكة المكرمة، والمسجد النبوي الشريف في المدينـة المنـورة، وكـل ذلك مـن أجـل ربـط المسلـمين بـكافـة ما يحدث في القدس، ومن أجل أن يظل الأقصى والمقدسات الإسلامية حية في نفس كل مسلم؛ لأن أهم أهداف الاحتلال إبعاد قضية الأقصى والقدس عن قلوب المسلمين ونفوسهم.
كما أنَّ هناك خطوات جدية من أجل التوجه إلى الجاليات العربية والمسلمة، في أوروبا وأمريكا، وهناك خطة لعقد مؤتمر على مستوى القارة الأوروبية من أجل كشف المخاطر المحيطة بالمسجد الأقصى واستنهاض العالم كاملاً لردِّ هذه الهجمة، وكذلك مؤتمر مماثل على مستوى القارة الأمريكية يتم تنظيمه للجاليات العربية والمسلمة هناك، وهناك مساع لتنظيم مظاهرة ضخمة في أمريكا أيضاً من أجل مناصرة القدس.
مواصلة شد الرحال
وأمـا على الصعيد الفلسطيني، فنحن نؤكد ـ بإذن الله ـ أنـنا سـنواصـل شـد الرحال إلـى المسـجد الأقصـى المبارك، من خلال قوافل الأهالي في مناطق «المثلث والجليل والنقب»، وكذلك المدن الساحلية: «عكا وحيفا واللد ويافا والرملة»، وذلك بشكل يومي، استمراراً لمسيرة «البيارق» التي بدأت منذ أعوام، والتي تسعى إلى إيجاد رابط دائم بين الفلسطينيين القاطنين في المناطق المحتلة عام (48م) تعويضاً عن منع فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة من الوصول إلى المدينة المقدسة.
وإننا نرى في هذا الرباط الدائم الذي يقوم به عشرات الآلاف من المصلين يومياً حزام أمان يحافظ على المسجد الأقصى المبارك، ويدرأ عنه محاولات اعتداء يهودية متطرفة بشكل يومي، ومن شأن هذا أن يساهم في دفع خطر كبير، ويرد كيداً كبيراً عن المسجد الأقصى.
وعلى الرغم من أننا في فلسطين المحتلة عام (48م) نلتمس العـذر لإخواننا في الضفة الغربية وقطاع غزة، بسبب منعهم مـن الوصـول إلى القدس، وفرض الحصار والحواجز عليهم، إلا أن كل هذا لا يعفي السلطة الفلسطينية ولا الأحزاب والقوى الفلسطينية المختلفة من أن تجعل قضية القدس الشريف قضيتها الأساسية، خاصة في هذا الوضع الراهن.
وإنَّني أقول ـ هنا ـ: يجب على جميع المسلمين التحلي باليقظة الدائمة؛ لأن هذه السنوات ستحمل عدة محاولات لاعتداءات كثيرة على المسجد الأقصى، وعلى مستقبله، ومن ثَم علينا أن نكون ـ كمسلمين ـ على مستوى الأمانة التي نحملها في أعناقنا، باستنهاض الهمم والقيام بواجبنا تجاه مقدسات المسلمين، واستجابة للشعار الذي أطلقناه منذ سنوات والقائل بأن "الأقصى في خطر".
عدل سابقا من قبل مــــــــيـــــــمـــا في الإثنين أغسطس 29, 2011 12:18 pm عدل 4 مرات